أختنا في الله ام فهدامرأة طيبة ، رحيمة المنظر، أليفة المعشر ، رقيقة القلب ،سريعة الدمع راضية مرضية
يشعر بالارتياح ، لديها من الأبناء سبعة ، كان زوجها يعمل حارساً لأحد المصانع ثم سافر إلى بلده ليبقى
بجانب زوجته وأبنائه ، مالديه من المال اشترى به ارضاً ووضع كل مايملك في عمارته ، وفجأة ظهر
ورثة لهذه الأرض غرر به من باعه إياها فهي ملك لغيره ، وهكذا تشيع الفوضى إذا غاب الإيمان بالله
والتحكيم بشرعه والسير على نهجه ، وصارت القضية في المحاكم ، وقد حكموا له أخيراً ببناء غرفة واحدة
على هذه الأرض.
أختنا في الله ام فهد لاتتصوروا أن هذه معاناتها فقط ، إذا كان الأمر هيناً ، إن مشكلة أبي فهد - وهو معيد
الأسرة الوحيد - إنه مصاب بمرض مزمن يسمى ((الشلل الرعاشي)) أي أنه لايستطيع موالة الوقوف أو
العمل ، وهاهو جالس في بيته سارح الفكر ضائق البال باكي الحال ، ينظر لأبنائه مابين جائع ومتألم فلا
يملك إلا أن يشاركهم البكاء.
جاءتني ام فهد ذات مرة لتقول لي :ً إن أحد الأبناء أضاع دفتر المدرسة والآخر أضاع قلمه ، فجاءوا إلى
والدهم يطلبون دفتراً وقلماً فنظر إليهم نظرة المغضب ورفع يده فضرب هذا ولطم ذاك ، فمن أين يأتي
لهم بنقود ليشتروا بها قلماً ودفتراً ؟! (( ألا يعلمون أننا لانملك شيئاً نأكله فضلاً عن التعليم والدراسة ....
إن من لايستطيع أن يدرس هكذا على أي حال فليترك المدرسة أم تريدونني أن أستدين وقد أغرقتني
الديون ، بل أين من يدينني وهو يعرف أنني لايمكن أن أرد له دينه )) وبعد أن يبكي الأولاد وينتهي
الطرح واللوم والعتاب تهدأ العاصفة ويقوم الأب ليقـبَّل أبناءه ويتأسف ويعتذر َويبيَّن لهم أنه لايملك
شيئاً من المال ، ولو كان معه ماقطعت عنهم الكهرباء ولم يجدوا مايستضيئون به . أين أنتِ ياأم فهد
من المسرفين من أبنائنا ؟ ممن يشترون الدفاتر والأقلام ....بالدرازن والأكوام ....ليسطروا فيها
صفحتين ويرموها نهاية العام....في سلة المهملات . أما عن الأكل والشرب فلا تسأل كيف يدبرون
أمرهم . قالت لي بالحرف الواحد: ((لقد مضى علينا أكثر من أسبوع ونحن لانستطيع الطبخ ، فقد
انتهى الغازوليس لدينا مانستبدله بآخر)) ياأختاه اصبري فإنما هذه الدنيا بلاء....من سار فيها لن
يجد سوى التعب والعناء....ياأختاه اصبري فالصبر خير دواء.... واشكي الحال لمن يعلم السرَّاء
والضرَّاء....لمن يرى النملة السوداءعلى الصخرة الصماء....لمن يملك خزائن الأرض والسماء....
فهو أهل الكرم والجود والعطاء....
* * *