عيون تبكي الإبن المجنون
لم أرا أعيناً أشد إحمراراُ من الجمر كعينيها البائستين....في كل مرة اراها تظل تبكي وتبكي بكاءً مريراً
يقطع أنياط القلوب على إبنها المحبوب....الغي أغلقت في وجهه كل الأبواب والدروب....
كان ذلك الإبن زاداً لها ، تعده لنوائب الدهر....فقد كان يعمل في إحدى الدول الخليجية مبسوط الحال....
صافي الذهن والبال....يرسل إليها مازاد معه من المال....
وفجأة إتخذ قراراً بالعودة إلى بلده....ليبقى جانب أمه ويرجع خيره لوطنه ، وليته لم يعد
عاد مريضاً....ًيشعر بحاله من الضيق والكبت لا يعرف لها سبباً ، إن ذهب إلى من يرقيه قال:مس أو
سحر أو عين ،وإن ذهب إلى الطبيب قال:مرض نفسي واكتئاب شديد....فأصبح يأخذ من هنا دواء ومن
هناك دواء....وكلهم في قلة النفع سواء، إلى أن أشار على الأم أحد الناصحين: زوّجيه لعله يشفىمن هذا
المرض يبرى.
فزوجته المسكينة....زوجة أصبحت كالرهينه أنجبت له عشرة أبناء يعيشون كأتعس التعساء.
بلا مال ولاغذاء ولاكساء.
ولم يزد مع ذلك إلا جنوناً....حتى أصبح يهيم على وجهه في الشوارع والطرقات....
فمرة يسقط في بئر ماء ومرة تدهسه سيارة ، ومرات يرمى بالطوب والحجارة ويكون هدفاً للعابثين من
المارة.
فينام على الرصيف....يفترش الأرض ويلتحف السماء....لايعرف من الأكل إلا الخبز والماء.
تبحث عنه أمه في كل مكان....فمن قال لها أنه مات....ومن قال أنه في المستشفيات....
فلا تدري أتبكي عليه أم على أبنائه العشرة.
ولا تلام إذا أصبحت عيناها كالجمرة....وحتى لايشتكي أحد منهم بأساُ....
جاءت إليَّ تبحث لهم عن صدقة وتسأل الأخيار من الناس....
* * *